الخط العربي

الخط العربي

كتابة: د. طارق فتياني
تدقيق: رغد الجاجي

       تهتم كل أمة بتراثها وتاريخها ولغتها، وأبرز مظاهر هذا الاهتمام وأهمه أن تعلم صغارها كتابة حروف لغتهم على نحو صحيح ودقيق، وقد لفت انتباهي دقة المناهج المعتمدة في اليابان لتعليم الأطفال طريقة الكتابة، حيث تجد في هذه المناهج تميزاً واضحاً في تعليم الطفل الشكل الصحيح لرسم الحرف وطريقة كتابته كتابة صحيحة تتركز في الاتجاهات والترتيب لكل خطوة حتى إتمام رسم الحرف، ومن ثم اختيار الشكل المناسب لخط اليد، وذلك من أجل تعليم الطفل رسم الحروف بشكل صحيح وقابل للكتابة بيده.

          ومن المؤسف أنني حين قرنت ذلك مع كتب تعليم العربية للأطفال لم أجد ما يعزز ذلك، حيث تعتمد معظم المناهج التي تعلم الكتابة على خطوط حاسوبية جاهزة، تبعاً للكلفة العالية التي تتطلبها الخطوط اليدوية. لكن المشكلة تكمن في أن الخطوط الحاسوبية تم تطويرها لتناسب آليات الكتابة الحاسوبية، وليست مناسبة للكتابة بخط اليد، لاسيما حين يطلب إلى الطفل القيام بتقليد رسم حروفها يدوياً، وهو في بداية مرحلة التعلم.

          في الواقع لقد وجدنا أن الخطوط العربية كتبت وطورت باليد في الأساس، كخط النسخ وخط الرقعة وباقي الخطوط، وهي مناسبة تماماً للكتابة باليد، ولكن حين بدأ استعمال الحاسوب تم تعديل هذه الخطوط لتناسب القيود التي وضعها الحاسب الآلي، ومن ثم جرى تغيير أشكال الحروف وقواعد كتابتها لتناسب آليات الحاسوب، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية اللغة العربية من حيث ارتباط الحروف ببعضها أثناء الكتابة واختلاف شكل الحروف باختلاف مواقعها في الكلمة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تم اعتماد هذه الخطوط الحاسوبية في تعليم الكتابة باليد، مادام الأصل هو الخط اليدوي الجميل المناسب للكتابة باليد، فالأولى أن يتعلم الطفل الشكل الصحيح للكتابة باليد تقليداً لما رسم باليد لا تقليداً لما رسم بالحاسوب، فهو أسهل فضلاً عن أنه أصح وأجمل. ونلخص هنا بعض مميزات الخطوط اليدوية:

_ السهولة في الكتابة: وذلك لأن الخطوط في الأساس وضعت وطورت لتناسب الكتابة باليد.

_ السهولة في القراءة: وذلك لأن الخطوط اليدوية تعتمد على تراكيب مدروسة وهي عبارة عن أشكال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصورة الذهنية للكلمة في العقل الإنساني، ومن ثم تسهل قراءتها.

_ الجمال: وذلك لأن الخطوط العربية قد طورت لتناسب العين واعتمدت على اليد التي يمكنها رسم أي شيء دون قيد، أما في الحاسب فقد تم فرض كثير من القيود التي مزقت قواعد الخط وجمالياته لتجعله رسوماً ساكنة جامدة.

وفيما يأتي بعض القواعد المهمة التي تم إهمالها في خطوط الحاسوب:

  • مناسبة مقاس الحرف طولا وعرضاً لوضعه في الكلمة: لقد تم ضبط العرض والطول لجميع الحروف وحددت على نحو معياري، والواقع أن كل حرف في العربية له شكل خاص به بحيث تترابط الحروف مع بعضها لتشكل كلمة، وتترابط الكلمات لتشكل جملاً. وقد تم وضع قيود على ذلك عندما تم إنشاء الخطوط الحاسوبية لتسهيل الكتابة بالحاسوب، حيث تم ضبط عرض الحروف وطولها مثل اللغات الأخرى. لكن المشكلة تكمن في أن حروف اللغات الأخرى في الأساس لها عرض وطول محددان، كاللغة الإنجليزية واليابانية وغيرها، أما العربية فليست كذلك، ومن الإجحاف إخضاع حروفها لمثل هذه القواعد التي لا تنطبق عليها ولا تنتمي لها.
  • الحروف العربية تتصل ببعضها بطريقة خاصة، فكل حرفين لهما طريقة خاصة في الارتباط، وقد يأتي الحرف تحت الحرف السابق أو فوقه. أما في اللغات الأخرى فتصطف الحروف بشكل متسلسل نمطي، والمشكلة تكمن في أن الخطوط الحاسوبية قد أجبرت اللغة العربية على اتباع التسلسل والارتباط الخاص باللغات الأخرى فهدمت قواعد الجمال في الخط العربي.

      لقد وضع الخطاطون العرب قواعد جميلة جداً، وأسسوا مناهج للكتابة، غير أن هذه القواعد لا يهتم بها حالياً إلا من يهوى تعلم فن الخط العربي، وهنا تكمن المفارقة، فالأصل أن يتقن كل متعلم للعربية كتابة حروفها بشكل صحيح وفق قواعدها السليمة، ولا بأس بإفراد الكتابة بالقصبة لمن يهوى علم الخط وفنونه. ومن جميل ما لحظته في اليابان أن الأطفال في المدارس يتعلمون فنون الخط عن طريق الكتابة بالريشة اليابانية، وفي هذا تدريب واضح لعضلات اليد عند أطفالهم سعياً لامتلاكهم تلك المهارات في وقت مبكر من أعمارهم. وإذا لم يكن ذلك متاحاً فأقل ما ينبغي فعله أن نحترم حق الأطفال في تعلم الكتابة الصحيحة بالقلم العادي تقليداً لما رسم باليد.

ما الخطوط العربية المناسبة لتعليم الأطفال؟

      من المعروف أن أنسب الخطوط العربية للتعليم هي خط النسخ وخط الرقعة، وينصح عادة بتعلم كليهما، والأولى أن يبدأ بخط النسخ فهو الأجمل والأوضح، ولهذا يكثر استخدامه في طباعة كل الكتب، وأعلاها وأهمها القرآن الكريم، فهو مكتوب بخط النسخ، ومن الضروري عندما يتعلم الطفل الكتابة والقراءة أن يكون الشكل الذي يتعلم كتابته مطابقاً للشكل الذي يراه في المصحف، ومن ثم يفضل البدء بتعليم خط النسخ. حيث تبنى عليه مهارة القراءة. في حين يعد خط الرقعة أسهل في الكتابة من النسخ، ويبدأ عادة بتعليمه بعد إتقان الطفل كتابة خط النسخ، حتى يتمكن من كتابة النصوص الطويلة في وقت أقصر لسهولة كتابة حروفه ومراعاته جانب السرعة الكتابية. وإن كان بعض الآباء يفضلون تعليم أطفالهم خط الرقعة ابتداءً خلافاً لما ذكرناه بالأعلى، ظناً منهم أنه الأنسب للكتابة، فإن أولئك الأطفال سواجهون لاحقاً بما تراه أعينهم في الكتب المختلفة، ومن ثم قد يصدم الطفل، وقد لا يستطيع تمييز الحروف التي تعلمها وأتقنها في خط آخر.

الخلاصة: من الضروري أن نعلم أطفالنا الكتابة الصحيحة بخط النسخ أولاً، ثم بخط الرقعة، بقواعدهما وشكلهما الصحيحين، بدون الاعتماد على خطوط الحاسوب. وعلى المختصين بخطوط الحاسوب أن يقوموا بتطويرها لتماثل خطوط اليد الصحيحة، ومن ثم نشر تلك الخطوط بين أوساط المتعلمين، وهو غاية أساسية نسعى إليها في مشروع لغتي، حيث نهدف لتطوير مناهج تعليم الكتابة العربية بالاعتماد على خطي النسخ والرقعة بشكلهما الصحيح.

 

 

 6,721 total views,  2 views today

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *